هوَ الاستاذ عبداللطيف عبد الوهاب حسن البدري، أحد أعلام الطب والثقافه والرائد في الجراحة وأول من تشرف من العراقيين بالحصول على شهادة الزمالة من الكلية الملكية للجراحين في لندن. نشأ من عائلة عريقة أشتهرت بخدمة العلم والدين والمواقف الوطنية، ويعود له الفضل في تطوير علم الجراحة وأرسائه على قواعد علمية حديثة في العراق والمنطقة العربية.وقد أمتازت سيرته الذاتية اضافه الى حرصه الشديد بتعليم طلاب الكلية بكل الوسائل الحديثة، بالنشاطات الطبية والثقافية حيث نشر العديد من البحوث الطبية وقام بتأليف مجموعة من الكتب العلمية والتراثية، كذلك المشاركة في عضوية الكثير من الجمعيات والهيئات الطبية وحتى الادبية المحلية والعالمية. وفي الوقت نفسه استمر في خدماته وتدرج في مسؤولياته حتى تولى رئاسة قسم الجراحة وعمادة الكلية الطبية ثم رئاسة جامعة بغداد ناهيك عن وزارة الصحة مدة عامين تقريبا. أما شخصيته فقد تميزت بالاخلاق الكريمة والطباع الحميدة والكرم النبيل وصلابة مواقفه الوطنية. ألبداية والسيرة ولد الدكتور عبداللطيف البدري في 21/ 4 /1922 الموافق ليوم 13/ 8/ 1339 هجرية في مدينة سامراء التراثية، حاضرة الدولة العباسية ومرقد العسكريين ومدينة الملويتين المتوكل وأبو دلف، فيها الجامع الكبير ويحرسها السور العظيم ذو الابواب الاربعة نشأ من عائلة عراقية عرفت بالورع والدين، ولكنها أمتهنت الزراعة، بدأ تعليمه في مدرسة سامراء الابتدائيه أنتقل بعدها الى متوسطة الكرخ وأكمل دراسته الاعداديه في الثانوية المركزية في بغداد، والتحق بالكلية الطبية العراقية في عام 1938. لقد واكبت سنين الدراسة في الكلية أحداث عديدة على الساحة السياسية والعالمية ومنها مقتل الملك غازي في حادث سيارة 1939 وحركة رشيد عالي الكيلاني في 1941 والحرب العالمية الثانية. وفي سنوات الكلية المنتهية 1943-1944 وأثناء الحرب العالمية، ألتحق بالكلية ثلاثة من الاطباء الذين رافقوا الجيش البريطاني بعد حركة الكيلاني سنة 1941وكانوا من الشباب المتحمسين للتعليم حيث تولى كل منهم تدريس علم الجراحة النظري والعملي في الكلية ما أحدث طفرة نوعية في مستوى المعرفة الجراحية وتطورا ملحوظا في الخدمات الطبية في المستشفى التعليمي، أضافة الى تشجيع وتدريب الجيل الجديد من الجراحين العراقيين أمثال الاستاذ خالد ناجي، خالد القصاب، غانم عقراوي، عزيز محمود شكري اضافه الى الاستاذ عبد اللطيف البدري. الاستاذ الاول هو الميجر دونالد دوغلاس الذي أنهى تدريبه في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية بعد أن أكتسب الخبرة الواسعة في الجراحة وتطبيقاتها في المستشفيات المدنية ناهيك بالجراحة الميدانية في ساحات وميادين القتال أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد كان رشيقا نشيط المظهر يخترق المسافة من باب المعظم الى الكلية مرتديا الزي العسكري، ويلقي محاضراته مستعينا ببطاقات تحتوي على عناوين قصيرة للمواضيع التي يرغب في شرحها وكانت تضم كل ما هو جديد في الطب و الجراحة. أما الاستاذ الثاني فهو الكولونيل ولفرد باربر والذي تولى تدريس الجراحة السريرية بأسلوب علمي حديث يشتمل على شرح مفصل للاعراض المرضية ثم استعراض لنتائج الفحوصات المختبرية والمرضية وقراءة الصور الشعاعية بعدها تتم مناقشة التشخيص المقارن وطرق وأساليب العلاج الطبية والجراحيه. أما الجراح الثالث فهو الاستاذ (ل.روجرز) الذي خدم مع الجنرال تيتو في حرب العصابات في يوغسلافيا أثناء الحرب العالمية حيث تميز بحرصه على تدريب الجيل الجديد من الجراحيين وكان يقوم بمساعدة الجراح العراقي أثناء قيامه بالعملية وتدريبة على أصول مهنة الجراحة. وقد قدمت خدمات هؤلاء الاستاذه الثلاثه سبل الارتقاء بالمستوى الطبي في الكلية والخدمات الجراحية في المستشفى وشجعت الهيئة التدريسية وما بعدها من رواد الجراحيين العراقيين على اتباع أساليبهم في طرق التدريس ومتابعة كل ما هو علمي وعصري في مهنة الطب والجراحة. وفي سنة 1944 أنهى الدكتور البدري سنوات الدراسة في الكلية الطبية وحاز على شهادة البكلوريوس في الطب والجراحة، وكانت دورته الثانية عشرة وقد ضمت قائمة الخريجين كلا من الاستاذ غازي حلمي أستاذ أمراض العيون في الكلية الطبية والدكتور عبدالوهاب حديد الجراح الاقدم في مدينة الموصل والدكتورة أمنة صبري مراد مديرة مستشفى الملكة عاليه للنساء والدكتور سامي محمد يحيى آمر الطبابة العسكرية اضافة الى زميلته التي أصبحت شريكة حياته الدكتورة لميعه البدري، ومن الجدير أن نذكر بأنها أول من حصل من العراقيين على عضوية الكلية الملكية للأمراض النسائية والتوليد في لندن، ثم أرتقت في السلم التدريسي لتصبح أستاذة في النسائية والتوليد في الكلية الطبية وعميدة كلية التمريض ورئيسة الاتحاد النسائي العراقي ورابطة الخريجات الجامعيات. بعدها قام بالسفر مع زملائه الى القاهره للتدريب كطبيب زائر في مستشفى القصر العيني وحصل خلالها في سنة 1946 على شهادة الدبلوم في الجراحه العامه من جامعة القاهره، وفي تلك المرحله قام بالتقديم الى الامتحان الاولي لشهادة الزماله الجراحيه وبعد اجتيازها غادر الى لندن حيث أكمل تدريبه الجراحي وحصل في وقت قياسي على شهادة الزماله من الكليه الملكيه للجراحين في لندن وبذلك يكون أول عراقي يحصل على هذه الشهاده المرموقه والمعترف بها عالميا. وبعد عودته الى الوطن في سنة 1948 حيث أحداث نكبة فلسطين مازالت جاريه وأكمال تدريبه في دورة الاحتياط العسكريه أنذاك تخرج منها برتبة نقيب طبيب ولكنه سرعان ما ألتحق في الجيش العراقي في فلسطين وقام بتقديم الخدمات الطبيه مع الكثير من المتطوعين في مستشفى الهلال الاحمر العراقي في جنين، وبعدها شارك في تأسيس مستشفى الهلال الاحمر في نابلس حيث أشرف على معالجة الجرحى وألاهالي على حد سواء. ومن الجدير ان يذكر في كتاباته مايلي: (وبيوم أطلق سراح كولدا مائير (رئيسة وزراء العدو لاحقا) وعشر أسيرات أخريات لاننا معاشر العرب لانؤسر النساء 1948). وبعد انتهاء خدمته العسكريه تسرح من الجيش، وفي السنوات 1949-1950 تم تعينه في القسم الجراحي في المستشفى الملكي الردهه 12-13 حيث شارك بتدريس مادة التشريح النظري وعلم الاجنه للصفوف الاولى في الكليه أضافة الى المساهمه في امتحانات الكليه الفصليه والسنويه. وقد ورد في كتاب الاستاذ هاشم الهاشمي تاريخ ومحطات مايلي: وفي هذه المرحله تعرفت عليه (الاستاذ عبد اللطيف البدري) وانا طالب في المرحله الثانيه وهو محاضر رائع ويكتب على اللوحه السوداء بخط واضح جميل، وأن رسومه في علم الاجنه كانت من احسن الرسوم وأنطقها، ويكمل الاستاذ الهاشمي أنطباعته بقوله: وفي تلك الفتره كان الدكتور البدري موضع همس بيننا بأنه حاصل على أعلى الشهادات من أنكلترا وأنه أعظم جراح في المستشفى الملكي. أنتهى وفي سنة 1952 ساهم بتدريس الجراحه السريريه لطلاب الصف الرابع مع الاستاذ خالد ناجي طيب الله ثراه حيث كان حريصا على تعليمهم وفي نفس الوقت عطوفا على مرضاه، وفي السنه التاليه 1953 أنتقلت خدماته الى العياده الخارجيه لتدريس طلاب الصف الخامس حيث أستمر تشجيعه لهم وكان يشرف على فحص المريض ثم شرح الحاله وطرق علاجها وكان يقوم بتدريب الطلبه على أجراء العمليات الجراحيه الصغرى مثل عمليات الختان ورفع الاجسام الغريبه وفتح الخراج وتحت أشرافه المباشر اضافه الى حثهم بالمواظبه على مراجعة الكتب الطبيه مثل كتاب هاملتن بيلي وكتاب العمليات الصغرى وفن الجراحه وغيرها. وفي السنوات 1953-1954 خصص جناح لجراحة الاطفال في الردهات 17-18 الجراحيه حيث قام بتدريس طلبة الصفوف المنتهيه حول جراحة الاطفال ومخاطرها من فقدان الدم وسوائل الجسم بما فيها التشوهات الخلقيه. استمر في عمله الانساني في معالجة المرضى وتدريس طلاب الكليه لعدة سنوات تلت، وبالرغم من قلة المصادر ولكنه حصل في سنة 1957 على شهادة الاختصاص في جراحة الجهاز الهضمي من جامعة شيكاغو ثم أصبح زميل في اكاديمية الجهاز الهضمي الامريكيه لاحقا. وبعد أحداث ثورة 14 تموز 1958 أندلع حريق هائل في مخازن النفط في منطقة الكيلاني حيث تولى معالجة الكثير من المصابين والذين أزدحمت بهم ردهات المستشفى وبمساعدة الجيل الجديد من الجراحين امثال الدكتور عبد الكريم الخطيب ، زهير البحراني وهاشم الهاشمي. وفي تلك الفتره توسعت أهتماماته الاجتماعيه حيث شملت أنتخابه رئيسا لنادي الشباب الاهلي. وقد كانت فترة الخمسينات وما تلاها غزيره بإصدار ونشر العديد من البحوث الطبيه والمقالات الثقافيه في مختلف الدوريات والمجلات الطبيه وتشمل القائمه ما يلي: أولا- تدرن الغدد اللمفاويه في العراق مجلة الكليه الطبيه 1952 ثانيا- قرحة المعدة والعفج في العراق مجلة المهن الصحيه 1953 ثالثا- المعالجه الجراحيه للفطار البرعمي مجلة المهن الطبيه 1953 رابعا- جهاز مبتكر للختان مجلة الكليه الطبيه 1954 خامسا- الاستجابه الايضيه في المكروب المجله الطبيه العسكريه 1957 سادسا- بعض الاوجه الفسلجيه للمعده مجلة الكليه الطبيه 1957 سابعا- تأثير السكرين على المعده المجله الامريكيه للفسلجه 1958 ثامنا- الروابط بين دهليز المعده والعفج المجله الطبيه المصريه 1961 تاسعا- البروستافلين في الخمج الجراحي مجلة الكلية الطبيه 1962 عاشرا- يرقان أنسدادي والاكياس الصدريه مجلة الكليه الطبيه 1962 أحدى عشر- علاج القرحه الهضميه بالتجميد مجلة الكليه الطبيه 1966 كذلك نشر عدد من المقالات الثقافيه في المجلات العلميه ومنها ؛ أولا- آراء في المصطلحات الطبيه وتعريبها المجمع العلمي العراقي 1966 ثانيا- الفصد في الماضي والحاضر المجمع العلمي العراقي 1968 ثالثا- الجامعه التكامله مجلة التعليم والبحث العلمي 1968 تواصل نشاطه التدريسي في سنة 1960 لطلبة الكليه خاصة الصفوف المنتهيه وألاشراف على أمتحاناتهم السنويه والنهائيه. وبعد سنوات من العطاء والتدرج الوظيفي تم تعينه في سنة 1961 أستاذا للجراحه العامه في الكليه الطبيه وقد أحتفظ بلقب الاستاذيه حتى نهاية خدمته في سنة 1975 ، ونظرا لكفاءته في تأدية واجباته فقد أنيط به منصب رئيس لقسم الجراحه وذلك في عام 1963. وبعد أحداث 8 شباط 1963 أنتخب الاستاذ عبداللطيف البدري عميدا للكليه الطبيه حيث تولى إدارتها بكل حكمه والتزام واستمر في منصبه حتى سنة 1965. وفي 6 أيلول 1965 تم تعينه وزيرا للصحه في وزارة عارف عبدالرزاق، ولكن سرعان ما حدث التغيير الوزاري في 21 أيلول 1965 برئاسة السيد عبدالرحمن البزاز والذي كلفه بالاستمرار في نفس منصبه الوزاري، وفي السنه التاليه في 18 نيسان 1966في وزارة البزاز الثانيه كلف مرة ثانيه بالقيام بمهامه الوزاريه، ومن الجدير أن نذكر بأن مسؤوليات وزارة الصحه خدميه فقط وليست تعليميه ولذلك قرر بعد الانتهاء من عمله الوزاري العوده الى الكليه والاستمرار في مهامه الاكاديميه كرئيس لقسم الجراحه في الكليه الطبيه وفي نفس السنه 1966سنحت له الفرصه بأن يقوم بمهام أستاذ زائر في الجراحه لجامعة القاهره. وفي نهاية الستينات طرحت فكرة التفرغ العلمي ولكنها لم تر النور بسبب تطبيقات القانون وتفاصيله، ولكن استمرت جهوده في تشكيل فروع لقسم الجراحه كل حسب أختصاصه وبمشاركة الاستاذ يوسف النعمان والاستاذ خالد القصاب. وبالرغم من تعينه رئيسا لجامعة بغداد في السنوات 1971-1972 لكنه أستمر في رفع المستوى العلمي لقسم الجراحه حيث شرع بأقامة دراسة الدبلوم في الجراحه العامه لمدة سنه دراسيه واحده. وفي نفس الوقت الذي تم تعينه في السنوات 1972-1975 رئيسا لقسم الدراسات العليا في الكليه الطبيه لكنه واصل الخطى لتطوير الجراحه في العراق فقد حصلت الموافقه وبمساعدة وزير الصحه عزت مصطفى وعميد الكليه الدكتور تحسين معله بإقامة الامتحان الاولي لشهادة الزماله البريطانيه في مدينة بغداد وتحت اشراف لجنة الامتحان البريطانيه، وقد أنتخب الاستاذ هاشم الهاشمي سكرتيرا لهذه الدراسه بترشيح من الاستاذ عبد اللطيف البدري. وقد لاقت هذه المبادره صدى كبيرا وترحيبا واسعا خاصة من الدول العربيه المجاوره حيث تقدم للامتحان عدد من الاطباء العرب للامتحان في بغداد بدل لندن مما يوفر عليهم الكثير من العناء والاموال. وبعد انتهاء خدماته من الكليه الطبيه في سنة 1975 تفرغ لكتابة عدد من الكتب التاريخيه والتراثيه القيمه حيث صدر له كتاب من الطب الاشوري 1976 وكتاب التشخيص والانذار في الطب الاكدي 1976، والطب عند العرب 1977. وقد ورد في مقدمة كتابه من الطب الاشوري من اصدارات المجمع العلمي العراقي سنة 1976 حول مهنة الجراحه في بلاد النهرين مايلي ؛ هذا النوع من الاطباء هم الجراحون، فالجراحه لابد وأن تكون شائعه وأن تكون مهنه مميزه معترف بها قبل أن تسّن الشرائع، فقوانين حمورابي تشرع للجراح وتعنى به أكثر مما تعنى بالطبيب ففي الماده 220 ذكر للطبيب أذا ما أجرى عمليه على عين مريض، والماده 215 تتناول أذا ما بط خراج والماده 218 تتحدث عنه أذا ما صنع جرحا كبيرا في جسم مريض أو خاط جرحا كبيرا حدث به. وهناك نصوص تتعلق بجراحات متنوعه بينما ورد ذكر الطبيب الذي يعالج بالادويه في نصوص أقل عدد.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق